الزيارة: رنوة العمصي.. أوهام الجو الفلسطيني
2014-07-04 | هنادي زرقه
في روايتها الأولى "الزيارة" الصادرة عن دار الآداب في إطار محترف "نجوى بركات" بالتعاون مع وزارة الثقافة البحرينية، تروي الشاعرة والروائية البحرينية رنوة العمصي حياة أسرة متوسطة تعيش في أحد أحياء القاهرة على لسان طفلة ابنة ثمانية أعوام، طفلة لأب فلسطيني وأم مصرية محدثة نعمة، جاءت ثروة الأم من أبيها الذي عمل لدى اليهود المصريين أجيراً، وحين فروا إلى فلسطين اشترى أملاكهم، وتزوجت رجلاً فلسطينياً حافظ على ثروتها ولم يبددها كما فعل زوج أختها "الصعيدي" الذي تتبرم طيلة الوقت من حضوره، دخانه، عاداته في شرب الشاي، سلوكه في الحديث. أم متذمرة، صارمة في تربيتها، موتورة، خائفة، لا يبدو أنها تشعر بالأمان.
هذه الأسرة التي تعيش حياة مستقرة على نحو ما، أو هذا ما تجهد العائلة نفسها على إظهاره، يخلخل استقرارها على نحو مفاجئ زيارة الجد الفلسطيني. جدٌّ لا تعرفه الحفيدة، تتخيل ملامحه وسلوكه، الجد الآتي من مكان بعيد غير صعيد مصر، إذ اعتقدت الطفلة أن لا أقارب لوالدها، وأن أبويه عند الله كوالدي أمها. تسرد الراواية/ الطفلة وقائع ما قبل الزيارة وتحضير الأسرة لها، بحرفية عالية وسرد شيّق. بيد أن َّالسؤال المقلق الذي يقضّ مضجع الأم: ما الذي جاء بهذا الجد بعد سنوات عديدة؟ هل سيأخذ ابنه معه؟ هل سيقوم بتزويجه من امرأة فلسطينية؟ والطفلة تسمع، تراقب أهلها وأقرباءها، تغار من أخيها الرضيع، تتبرم من أوامر أمها، ترى أهلها وهم منغمسون في إخفاء التفاصيل السيئة عن الجد، وإظهار اللياقة والاحتفاء به، والمبالغة بتزيين الشارع والمنزل، وكأن شهر رمضان قد حلّ، أو أن أحد الأقرباء قد رجع من الحجّ، ربما كانت من الروايات القليلة التي يسردها طفل، يردد ما يسمعه من دون أن يسبغ عليه الراوي إيديولوجية معينة أو تحليلا مسبقا لحالات وشخوص الرواية، كأن الأشخاص في الرواية يعيشون حياتهم الطبيعية وثمة كاميرا، هي عين الطفلة ذاتها ترصد كل كلمة يقولونها وكل حركة يقومون بها.
والرواية تتحدث عن قضايا كبيرة بمفردات بسيطة تميل إلى العامية، قضية ضياع فلسطين، هجرة اليهود المصريين واستيلاء صغار التجار على أملاك اليهود المصريين، بل في أحيان كثيرة إجبارهم على بيعها، مشاكل معبر رفح وصعوبة تنقّل الفلسطينيين والذلّ الذي يعانونه من المصريين والإسرائيليين على حدٍّ سواء، الفوارق الطبقية بين أهالي القاهرة وصعيد مصر، ترصد هذه التفاصيل من دون أن تعلق عليها، بل تكتفي بترداد ما يصل إلى أذنيها من حوارات تدور على ألسنة أهلها وأقربائها، ويحضر سؤال الهوية بقوة دون إقحام في الرواية، ما معنى أن تكون فلسطينياً، هل الفلسطيني غريب شأنه شأن النوبيين المصريين؟ ما هو لون سحنته؟ هل يشبه أبناء النوبة؟ وهل أهل النوبة غرباء أيضاً؟ كلُّ هذا يمر على لسان الراوية/ الطفلة ولا تجد جواباً لأسئلتها. كل ما تعرفه أنها مصرية وأمها مصرية، هذا ما تردّده أمها دائماً.
وتحضر في الرواية، أيضاً، ثلاثة أجيال فلسطينية، جيل الجد الذي هرب مع زوجته وأبنائه وأبيه من قريته خوفاً من اليهود، وحتى قبل أن يهاجموها، تاركاً أمه المشلولة، لم يدافع هذا الجيل عن أرضه، لم يطلق رصاصة واحدة في وجه المحتلّ،